0322.02.0002
تقرير لمحمد حمودة حول بلدة دبوان، أواخر خمسينيات ومطلع ستينيات القرن العشرين

تعكس هذه الوثيقة الأرشيفية دفترا يتضمن تقريرا مكتوبا بالعربية، بخط يد محمد فهد حمودة، بين أواخر الخمسينيات حتى أوائل الستينيات من القرن العشرين حول بلدة دير دبوان التي تقع إلى الشمال الشرقي من مدينة رام الله. يتكون التقرير من 12صفحة، جاء فيها عدد من سمات التاريخ الاجتماعي لبلدة دير دبوان وتتبع أصول عائلاتها منذ تأسيسها سنة 1024 هجرية (1615-1616 ميلادية)، ومساحة البلدة المقدرة بنحو 75 ألف دونم، وقد بلغ عدد السكان في تلك الفترة حوالي 3500 نسمة منهم 500 في المهجر، ويشير التقرير أيضا إلى يوسف غنام باعتباره أول رئيس للبلدية. يتتبع هذا التقرير العادات الاقتصادية والاجتماعية لدى السكان وأهم الحرف التي انتهجوها في الفترة المؤرخة، إضافة إلى وصف طبيعة الأنشطة التي شغلها الرجال والنساء، وطرائق عيش الأسر الريفية وشكل اللباس التقليدي الذي كان يُلبس مثل القُمباز والكوفية والعقال لغالبية الرجال، والثياب المطرزة بالحرير للنساء. أما الجيل الجديد من الرجال فقد أخذ يرتدي البدلات، ونظراً لقرب هذه البلدة من المدينة ولتوافر خطوط المواصلات وانتشار التعليم بين الفتيات، فقد أصبحن يرتدين الفساتين والموديلات الجديدة. كما يتحدث التقرير عن النشاط الزراعي في البلدة والذي استغل ما مساحته 25 ألف دونم فقط من مجمل المساحة، وذلك بسبب قلة المياه، ويذكر أيضا أن أشجار الزيتون كانت من أهم المحاصيل الزراعية، وكان يقدر عددها بحوالي 50 ألف شجرة، وقد اعتمدت العائلات الفقيرة عليها في معيشتهم إلى جانب أنواع مختلفة من الحبوب، موضحا أنه كان في البلدة آلتين "ماكنتين" حديثتين لعصر الزيتون وأخرى من النوع القديم. ويتطرق التقرير إلى الثروة الحيوانية، مبينا اشتهار دير دبوان منذ القدم بتربية الأغنام والأبقار من أجل الاستفادة من لحمها وصوفها وحليبها، إضافة إلى الحيوانات المخصصة لحمل الأثقال. وفي سياق العائلة، يذكر التقرير أنها تتكون طبيعيا من الأب والأم والأولاد والبنات، وأن المسؤول الأول عن تربية هذه الأسرة هو الأب أو الأخ الأكبر، بالتعاون مع زوجته، ويتحمل مسؤولية تلبية احتياجات الأسرة، معتبرا أن نشاط المرأة على وجه الخصوص يكون ضمن كونها المسؤولة الثانية بعد زوجها، وتقع مهام الترتيب والتنظيف وإعداد الطعام عليها. وفيما يخُصُ الطعام، فقد كان الأهالي يتناولون الخبز المصنوع من القمح الصافي وزيت الزيتون والمخبوز في الطابون أو الأفران، قبل أن يصبح الطعام متنوعا ومنتشرا في ظل التقدم. أما بخصوص بُنية الأسرة، فيشير التقرير إلى أن العادة جَرَت على أن يترأسها عميد الأسرة، وقد كانت العلاقة بين الأسر تقوم على صلة الدم ورباط القربى، وذلك قبل أن تنشأ علاقات جديدة بحكم النسب والزواج والامتزاج الطبيعي بينهم. وبحسب وصف كاتب التقرير فإن "المضافة" أو "الساحة" التي كان يجتمع فيها الأهالي باتت ثانوية بحكم تطور البلدة وتقدمها، ويذكر أن علاقة البلدة بالقرى المجاورة متينة وراسخة منذ القدم، وحتى كتابة هذه السطور، وأنهم كانوا يتبادلون الزيارات في الأفراح والأتراح. يتطرق التقرير إلى موضوع الزواج أيضًا، وينظر إليه باعتباره مسألة معقدة، معتبرا أن هم والد العروس في الفترة المؤرخة كان ملء جيوبه بالنقود، دونما اكتراث لما قد يصيب صهره وزوجته المستقبلية من عيشة تعيسة نتيجة اضطرار العريس لبيع كل ما يملك لسداد تكاليف المهر والزواج، بل إن الأب قد يزوج ابنته التي لم تتجاوز العشرين لرجل جاوز الخمسين طمعا في أمواله، مشيرا إلى أن هذه العادة آخذة بالتلاشي ولكن آثارها الاجتماعية ما زالت موجودة. وينوه التقرير إلى أن معظم أهالي البلدة كانوا يكتفون بزوجة واحدة، إلا أن البعض كان يضطر للزواج بزوجة ثانية أو ثالثة سواء لأسباب متعلقة بالعقم أو لأسباب عائلية. كما يعالج التقرير عادة "البدل"، وهي عادة متعلقة بقيام الرجل بتزويج أخته أو قريبته لشخص آخر على أن يقوم هذا الشخص بنفس الشيء فيزوج قريبته للشخص الأول كنوع من البدل، ويعتبر التقرير أن هذه العادة كانت تتسبب بأحد أصعب المشاكل في دير دبوان، بحيث انه إذا اختلف أحد الرجلين مع زوجته وأراد تطليقها، فإن الرجل الآخر سيطلق زوجته، حتى وإن كان متفاهما معها، وذلك ردا على طلاق بديلتها. ويلقي التقرير الضوء على العديد من العادات والسلوكيات الاجتماعية في المناسبات والمواسم، ومنها الخطبة التي تبدأ بزيارة إحدى قريبات العريس لعائلة العروس، وتتحدث معهم على نطاق ضيق، فإن اتفقوا على الشروط والمهر، يبدأ الرجال بالتفاوض علنيا على المهر ويقومون بزيادته إكراما لأشخاص معينين، وقد يتساهل والد العروس قليلا بخصوص المهر إن كان الزوج من الرجال المعدودين في القرية، وبعد أن يتم الاتفاق يعقد القران، وتذبح الذبائح ويعد الطعام لأهل القرية، وفي صباح اليوم التالي للزفاف يخرج العريس على أقاربه الذين كانوا يحتفلون به بإطلاق النار.  عادة اخرى أتى التقرير على ذكرها هي عادة "الطهور" أو ختان الذكور، ويشير إليها بوصفها عادة حسنة، يتم فيها دعوة أهالي القرية إلى تناول الطعام، ويتم عمل "زفة" للأولاد الذين سيتم تطهيرهم، وبعدها يحضر "المطهر" لإتمام العملية. بعد ذلك يتحدث التقرير عن العادات المرافقة لأداء فريضة الحج، معتبرا أنها عادة متأصلة في القرية، حيث يقيمون الولائم والحفلات للشخص الذي ينوي أداء الفريضة، كما أن بعض أقاربه يعطون له نقودا عند الوادع، ويقوم الحاج بإحضار الهدايا عند عودته وتقام الاحتفالات وتدق الطبول ويتوافد عليه المهنئون، وقد يحضر له بعض أهالي القرى المجاورة الخراف كهدية. يستمر الحديث حول العادات والتقاليد، ويتطرق إلى الاحتفال بالموالد باعتبارها عادة أخذت تنتشر بشكل كبير في القرية، ومنها ما يترافق على وجه الخصوص مع انتقال أحد أبنائها للسكن في بيت جديد، فلا يسكن فيه قبل أن يدعو "جماعة الدراويش" ليقرعو طبولهم، ويذبح الذبائح ويقيم لهم الموائد، ويستمر الاحتفال حتى بعد منتصف الليل، ويمقت كاتب التقرير هذه العادة مقتا شديدا وينعتها بالعادة القبيحة التي يجب أن تزول. ويذكر الكاتب أن أهل القرية كانوا يقيمون احتفالات "فخمة" بمناسبة المولد النبوي ويحضرون الحلوى، كما أن هناك عادة تقارب عادة المولد وهي متعلقة بالوفاء بالنذور وذبح الذبائح وإطعام الناس في حال تحقق النذر، على غرار ما يحدث في الموالد.  يستفيض التقرير في وصف طقوس الجنازات والعادات المرافقة، مبينا أنه وعند وفاة شخصية كبيرة من أهل القرية، فإنه يتم دعوة أهالي القرى المجاورة لحضور الجنازة التي كان يشارك فيها الرجال والنساء، حيث يتم نقل الميت إلى المسجد للصلاة عليه، بعد تغسيله وتكفينه، ثم يسير الرجال في مقدمة الجنازة والنساء من خلفهم، وبعد مواراته الثرى، تكون حامولة "عائلة" أخرى قد اعدت الطعام لأهل الميت وللمعزين من القرى المجاورة، وبعد الانتهاء وانصراف المعزين إلى قراهم، تبدأ النساء بالندب والبكاء والعويل لمدة شهر ويلبسن الثياب الحريرية السوداء. وقد جرت العادة ألا يطبخ أهل الميت لمدة أسبوع أو أسبوعين، ويتم إرسال الطعام لأهله من النساء إلى بيوتهن، أما الرجال من أقاربه فتتم دعوتهم لتناول الطعام طوال هذه المدة لدى أحد أهالي القرية، وتكون الدعوة عند شخص مختلف في كل مرة. ويوضح التقرير أن هذه الطقوس كانت حكرا على الرجال من الموتى، ذلك أن المرأة المتوفاة توارى الثرى ولا يحدث لها كما يحدث للرجل، بل ينصرف الناس إلى بيوتهم بعد انتهاء الجنازة. وعلى صعيد آخر، يذكر التقرير أن صناعة الصواني من القش كانت أهم صناعة موجودة في القرية، وذلك بالإضافة إلى صناعة الصابون وصناعة بيوت الشعر والبسط، والسجاجيد المحلية. ويتحدث التقرير عن قيام السكان بحفر الآبار لجمع وتخزين المياه خلال فصل الشتاء، واستخدامها في وقت الصيف والجفاف، حيث كانوا يعتمدون عليها اعتمادا كليا للشرب.  ويشير التقرير إلى المنسف، وهو طبق مكون من اللحم واللبن والأرز والشراب (مرق اللحم واللبن)، وإلى الزرب، وهو طبق يطهى بوضع اللحم ودفنه في حفرة تم إشعال النار فيها لفترة طويلة، باعتبارهما من أشهر أكلات القرية. عادة أخرى أشار إليها التقرير بوصفها عادة حسنة وجيدة، هي عادة "العقد" أو "عقد البيت" أي إتمام بناء سقف البيت، وفيها يقدم أهل القرية المساعدة لصاحب البيت، فيذبح أقرباؤه الخراف ويساعدونه من ناحية الطعام، أما بقية الأهالي فقد يقدمون الأرز والشراب، أو يساعدون في إنجاز العمل، وعادة ما يتم رفع راية بيضاء فوق البيت للدلالة على إتمام العقد، ويذكر كاتب التقرير أنهم كانوا يخصّون "معلم البناء" بطبق مليء بالفتيت واللحم. كما أتى التقرير على ذكر عادة "القْواد" بوصفها عادة متفشية في دير دبوان والقرى المجاورة، وهي عادة متعلقة بإكرام الضيوف وذبح الذبائح وإعداد الطعام لهم في مناسبات عديدة كالموت أو الحج أو العودة من المهجر. وتطرق التقرير أيضا إلى المحاكم العشائرية معتبرا أنها عادة حسنة تساهم في حل معظم المشاكل الداخلية. ويشير التقرير إلى أن القرية شهدت بناء مسجد فخم على الطراز الحديث، في العام السابق للكتابة، ليضاف إلى العديد من المساجد الموجودة سابقا كمسجد "الشيخ عمار" و"الشيخ طاس" الذي بني المسجد الجديد مكانه. ويشير التقرير إلى أن في القرية آثارا وخرب، منها منطقة "تل عادي" التي شهدت إقامة قرية في زمن الكنعانيين، والتي ذكر أن اليهود احتلوها وذبحوا من فيها من الأهالي واتخذوا القرية الأثرية مقرا (للقيادة) لجميع القرى المجاورة. ومن خرب دير دبوان خربة حيان، وخربة الخضرية والسيق وهو مكان لكنيسة قديمة. وفي سياق التعليم، يذكر التقرير أن في القرية مدرسة للذكور مبنية على الطراز الحديث، وفيها احد عشر معلما وتدرس حتى الصف الثالث الثانوي، وقد بنيت هذه المدرسة على حساب أهالي القرية ومغتربيها. وكذلك توجد مدرسة نموذجية للإناث، والتي بنيت في العام السابق لكتابة التقرير على أساس قرض من مجلس الإعمار، وفيها ست معلمات، وحولها قطعة أرض كبيرة تم تخصيص قسم منها للحديقة، والقسم الآخر تم استخدامه كملعب لكرة السلة. ويستذكر التقرير أن قسما من الفقراء كانوا يعتاشون من الزراعة ويعتمدون عليها، إلا أنه يشير إلى أن معظم الشباب لحقوا بمركب الهجرة خلال السنوات العشر الأخيرة (السابقة لكتابة التقرير) وهاجروا إلى أمريكا على غرار ما حدث في بقية القرى المجاورة، فارتفع مستوى المعيشة في القرية وشهدت بناء عمارات ضخمة، وأصبحت دير دبوان غنية جدا حتى ظن كاتب التقرير أنها أغنى قرية في قضاء رام الله (ومن الجدير بالذكر ان هناك العديد من الأدبيات التي تتحدث حول دور أموال المهاجرين وأثر تحويلاتهم المالية في التغيرات الاجتماعية-الاقتصادية والتحولات الحضرية التي شهدتها قرى المنطقة ومدنها). ويذكر التقرير أن الكرم كان منتشرا في القرية واشتهرت به منذ زمن بعيد، ولا تزال كذلك حتى وقت كتابة هذه السطور، ولكن هذه العادة بدأت تتلاشى بسبب تقدم دير دبوان وتطورها نحو المدينة. ويذكر كاتب التقرير أنه حين أتى مهاجرا إلى دير دبوان، وجد الغالبية الساحقة من أهالي القرية يعتمدون في وقودهم على خشب الزيتون والنتش (نبات شوكي) والرتم (نبتة من فصيلة البقوليات)، لكن معظم الأهالي باتوا يستعملون الغاز في طبخهم ووقودهم. وينتقل الكاتب للحديث حول وجود مجلس بلدي منتخب في دير دبوان، إلا أن السطر الأخير في هذا التقرير لم يكتمل، فقد ألم المرض بكاتبه وحال دون إتمام الكتابة حتى غيبه الموت سنة 1980.

تاريخ إنشاء/إنتاج المادة

متأخر 1950s - مبكر 1960s

نوع

نص

مكان

تفاصيل اضافية

صيغة

دفاتر ملاحظات

مصدر الوصف

حمودة، غيداء. "مجموعة وليد حمودة"، جرد أرشيفي، 10 كانون أول 2020. أرشيف المتحف الفلسطيني الرقمي.

ساعدنا في تحسين المعلومات ، واقترح تغيير محتوى هذا العنصر

اقترح التغيير
0322.02.0002
تقرير لمحمد حمودة حول بلدة دبوان، أواخر خمسينيات ومطلع ستينيات القرن العشرين

قد تحتوي هذه الصورة على محتوى عنيف